اللبنانيون وأدوية الأعصاب والجريمة والإنتحار
د.نسيب حطيط
هل بدأت النتائج النفسية والسلوكية للتوتر والقلق والبطالة التي يعانيها الشعب اللبناني تطفو على السطح... لتتكاثر عمليات الإنتحار والقتل والسرقة والإدمان على المخدرات وأدوية الأعصاب (صديقة) أكثر اللبنانيين !
أصبح خبر إكتشاف جثة هنا أو هناك خبراً متكرراً ويزداد كل يوم في وسائل الإعلام حتى صار عدد القتلى بالجرائم المختلفة بالإضافة لحوادث السيارات يتجاوز شهرياً 50 قتيلاً في حالة إستنزاف يومي ولا يمكن معالجة هذا الإنهيار الإجمتماعي الخطير بإلقاء القبض على الفاعلين أو تسطير محاضر ضبط السرعة ،فالسجون اللبنانية مليئة بالمتهمين أضعافاً مضاعفة ،أما إذا طبقت الأجهزة المعنية قانون إعتقال وإحتجاز المدمنين والمروجين لما اتسعت السجون حتى لو زاد عددها وسعتها فتضطر الأجهزة المختصة للإعتقال المؤقت والإفراج تحت المراقبة وسيعود المدمن والمروج لإستئناف عمله ؟
لا بد من معالجة الأسباب والدوافع المؤدية للإنحراف والجريمة والإنفعال والتوتر الذي أحال الناس إلى قنابل موقوتة داخل العائلة أو مع الجيران نتيجة الضغط النفسي والوظيفي والإجتماعي والأمني الذي يعيشه اللبنانيون منذ بدء الحرب الأهلية عام 1975 وحتى الآن دون استراحة طويلة تخفف الإحتقان أو تعالجه.
إن المطالبة بإقرار استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب واستراتيجية وطنية دفاعية بمواجهة العدو الإسرائيلي لا بد منها ،لكن ينقصها الضلع الثالث "استراتيجية وطنية للأمن الإجتماعي" حيث توسعت بؤر الفقر والبطالة والجريمة والإدمان والتوتر المذهبي والطائفي ،مما تسبب بإصابة المجتمع بثقوب خطيرة على مستوى المناطق والطوائف أو داخل البنية الداخلية على مستوى المذهب أو الطائفة فيعيش الكثيرون ،الموت البطيء أو الإنتحار (الرحيم) وصولاً للإنفجار الإجتماعي العام ويطرح السؤال ... كيف نعالج ونرمم الأمن الإجتماعي ومن هو المسؤول...؟
إن مسؤولية تدارك الأوضاع مسؤولية جماعية لا تستثني أحداّ على مستوى السلطة أو الأحزاب أو العائلات أو الأفراد والمؤسسات الدينية في مقدمتها وسبل مواجهتها لا تقتصر على الوعظ أو الإعتقال أو القمع فلا بد من وضع استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة هذا الإنهيار الإجتماعي في لبنان وفق ما نراه بعض الخطوات الأولى وفق ما لي:
– إعادة الإعتبار للأسرة واستعادة الأهل لدورهم التربوي والرقابي على أبنائهم حيث تفككت الأسرة نتيجة إنهماك الأهل بتأمين مقومات العيش لأبنائهم وإشغالهم أكثر من وظيفة تسلبهم الوقت اللازم لمناقشة المشاكل والرقابة الواعية وزادت وسائل التواصل الإجتماعي (الواتس آب..الفايسبوك..) مشاكل إضافية وألغت التواصل في الوقت النادر الذي تجتمع فيه العائلة فكل شخص يغوص في هاتفه الذكي الذي تحول الى الحاسة السادسة.
- إعادة الإعتبار للقيم الدينية والأخلاقية فيعود رجل الدين إلى ممارسة واجباته الدينية والإجتماعية والأخلاقية ولا يبقى متفرغاً للعمل السياسي والحزبي أو المناسبات الإجتماعية (الوجاهة) دون نتائج مثمرة وتتكرر أيامه حاملة نفس المشاغل السطحية دون إلتفات إلى دوره وواجباته وأن ينزل للشارع عند لحل مشاكلهم الإجتماعية والشرعية (زادت نسبة الطلاق بشكل خطير وخاصة على نسبة المتزوجين الجدد) ولا بد من تطهير السلك الديني من بعض الأمثلة المنحرفة والفارغة التي تلوث وتهين رجال الدين وقداسة ما يحملون من قيم وعقيدة.
- عودة الأحزاب وهيئات المجتمع المدني لممارسة دورهم الإجتماعي والثقافي والأخلاقي وعدم الإكتفاء باستنزاف الناس بالقتال أو المظاهرات والتبعية المذهبية أو إستغلال مراكزهم لسلب الناس حقوقها أو السرقة "ببربارة" العمل الخيري والمؤسسات الإجتماعية التي سرعان ما تتحول إلى أملاك شخصية للزعيم أو لعائلته والأمثلة كثيرة كما يتم جمع الأموال بإسم الدين والطائفة والتنظيم و.... والإيتام !
- استعادة الدولة لدورها "الرعائي" غير التجاري وتنمية المناطق المحرومة ومكافحة الفساد ومعالجة البطالة والضمان الصحي والتعليم وغيره لإعادة بناء المجتمع الصالح غير المتناقض طبقياً حيث يزداد الأغنياء والمصارف غنى، ويزداد الفقراء والمهمشون بطالة ومرضاً وتشريداً وفق منظومة إعادة توزيع الثروة على المواطنين والإستفادة من الموارد والثروات الطبيعية لصالح الدولة وليس للزعامات ومراكز القوى .